د. رياض نعسان أغا
تحتفي ذاكرتي بذاك العبق الذي يضوع في الفؤاد ، حين تراوده طيوف المبدعين ، الذين أثروا الوجدان العربي وطيّبوه بإبداع أصيل جميل
ولقد كان من أقربهم الى نفسي ,وأحبهم إليّ شاعر السياسة والحب
نزار قباني رحمه الله ، فقد تربيت على قصائده مذ كنت في مراهقتي الأولى أتعرف إلى طفولة نهد وقالت لي السمراء وسامبا و سواها من الدواوين الصغيرة التي كانت تنام على سريري
وكان نزار يمثل لي عالماً مختلفاً عن ذاك الذي ورثته عن والدي وعن أساتذتي ،فهم سلموني بعض مفاتيح التراث، وأدخلوني إلى حجرات امرىء القيس والنابغة وزهير وطرفة والمتنبي وأبي العلاء ، فلما دخلت حجرة نزار وجدتها شيئاً مختلف الأثاث ، نوافذها مشرعة مفتوحة ، تتدلى منها عرائش الياسمين ،وتطل على حديقة النارنج والدراق والليمون ، وينداح منها أريج عطور فرنسية ، توحي بأن امرأة مرت من هنا ، وأخرى يتنفس جسدها تحت الشمس
أدهشني في نزار أنه دخل إلى أعماق المرأة وتوغل في ثناياها، يختبىء تحت الرداء ، فيسمع همس القلب ، ويلامس المرايا ، ويتقرى نعومة الرخام ، فإذا فتنه بريق القرط ، وأسكره رحيق اللمى ،غرق وذاب في بحر العيون
ولست أعرف في العربية شاعراً قبل نزار دخل إلى جسد المرأة فسرى في العروق مسرى الدماء ،وسمع النبض والخلجات ، ثم اغتسل بماء الأنوثة ، وشرب منه حتى ثمل ، فجاء شعره مائياً فيه عذوبة الأنثى ورقتها ، وانسيابها الرشيق على جسد الكون تسقيه فتدب فيه الحياة
ولا أعرف في العربية شاعراً عاش هموم النساء في علاقاتهن مع الرجال كما عاشها نزار
ففي موضوعات قصائده كثير من مآسي النساء ، وهو يغضب غضبهن ويثور ثورتهن
( لاتمتقع .. إني لأشعر أنني حبلى )
ولكن العاشق النذل يمتقع لونه ، ويريد أن ينكر فعلته ، فتطل كبرياء المرأة التي وقعت في الخطيئة من فوق الجراح
( أنا لست آسفة عليك
لكن على قلبي الوفي ،
قلبي الذي لم تعرف