ثقافة المواطنة تدحض الحرب الاهلية في سورية PDF Drucken E-Mail
Donnerstag, den 14. Juni 2012 um 10:25 Uhr

بقلم د. ناطم جرجس

ثقافة المواطنة و ثقافة قبول الآخر
ما تتعرض له أمتنا ليس وليد الساعة بل هو نتاج مسار طويل من الخلل في فهم المسائل الوطنية الأساسية المتعلقة بالهوية والانتماء والاستقلال والسيادة والوحدة وحق تقرير المصير، وقضية الحرية والعدالة، ومفهوم المواطنة والمشاركة الوطنية.
حالياً هناك وجهتي نظر تسيطران على سلوك الناس ومواقفهم:
الأولى تقوم على أن مايحدث من حراك شعبي ليس له أي مبرر وأن الخلل البنيوي الذي يعبث في النسيج الوطني يمكن معالجته ضمن البيت الواحد، أي بمعنى آخر غض النظر عن الخلل البنيوي في الحياة الوطنية هنالك ميل غير مبرر لدى البعض للتغاضي عن الخلل البنيوي الذي يعتري حياتنا الوطنية، وأما الإتجاه الآخر يبرر الزمن الرديء الذي نحن فيه الآن محملاً المسؤولية للآخرين دون تحليل أو فهم لخيوط الأزمة وتداعياتها: مثل التراجع وغياب روح المبادرة،التمسك بالقدرية والاستسلام للأمور المفتعلة،التخلي عن الدور الفاعل والبناء في احداث ثغرة في جدار الهزيمة الروحية والنفسية والفكرية التي يعيشها البعض من الساسة، والبعض من حكام، والبعض من المثقفين، والبعض من شعبٍ أوهنوا روح العزيمة فيه لكثرة ما أحبطوه، ولشدة ما ضللوه، ولقوة ما مارسوا عليه من ضغوط طالت أحياناً كثيرة لقمة عيشه، ومستقبل حياته وحياة أولاده، حتى وصل ببعض الناس الى حد الكفر بالقيم والوطن، وفقدان الثقة بنسبةً كبيرة، بامكانية الاصلاح والتغيير المنشود.
ولكن، وبرغم الخيبات المتكررة التي أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية، لا بد من التصميم والإرادة من أجل خلق واقع جديد، وبث الأمل من جديد، وإنارة شعلة الايمان المتوقدة في قلوب الأوفياء من أبناء شعبنا المؤمنين بالقدرة على تجاوز الصعاب وخلق منهج وفكر للتغلب على الضعف والوهن والتراجع والعبثية والفوضى المتفشية في طول البلاد وعرضها ، بإتجاه تفعيل كل الطاقات البشرية في داخل وخارج الوطن والامكانات المحلية التي تزخر بها أمة العطاء لرسم طريق الخلاص والتحرر من الأزمة ، وصياغة الحاضر والمستقبل بارادة وطنية حرة لاتلين، وبتصميم أكيدٍ على مواجهة التحديات.
فلا مجال بعد اليوم للهروب من الحقيقة، لأن الحقيقة تقف أمامنا عارية وواضحة تدفعنا لنأخذ زمام المبادرة، لأن ننظرللمستقبل ونخوض المعركة بالعقل والفكر والعلم ونقبل التحدي، إما أن نكون مواطنين فاعلين مؤثرين في مجرى الأحداث التي تحيط بوطننا، ورافضين الثقافة القدرية ورافضين ثقافة القبول بالأمر الواقع، ومجسدين ثقافة المواطنة وقبول الآخر كشريك من أجل البناء والإصلاح والتحديث في الممارسة الحياتية وفي السلوك اليومي، ومؤمنين بالقول والفعل بثقافة "المواطنة"، والتي تقوم على ثقافة الانتماء الى الوطن، ثقافة الانتماء الى الأمة، ثقافة الانتماء الى المجتمع الذي يحتضن أبناءه جميعاً بمعزلٍ عن اللون أو العرق أو الطائفة أو المذهب، أو العشيرة أو القبيلة، ثقافة الانتماء الى الحياة الحرة الكريمة والانسانية بدلاً عن ثقافات أخرى مثل: الإلتزام بالمعسكر الغربي وربط الوطن بالمشيئة الخارجية ، و ثقافة طمس الهوية والدعوة إلى الليبرالية، وهدم التراث والحضارة التي بناها أجدادنا، والثورة على كافة القيم الموروثة وثقافة الأنا والذات.
نحن شعب يحب الحياة وينبذ الطائفية، ومخطئ من يقول بأن الطائفية جزء من نسيج الوطن أو أنها مزروعة في ذاتنا لكنها ثقافة خارجية جديدة، يسعون أعداء الوطن لإدخالها وبأي ثمن ممكن.
فالوعي الإجتماعي والمعرفة الفردية هما من نتاج الواقع الإجتماعي ، فالإنسان الطائفي هو من تربى في واقع طائفي، والمذهبي هو من نشأ على المذهبية، والعشائرية تغذيها تربية عشائرية، والقبلية هي حالة في الوعي الإنساني تدعمها ثقافة قبلية، أما المواطنة التي ننشد تحقيقها ترتكز على ثقافة المواطنة و على الوعي بحقيقة الانتماء الى الوطن بكافة ابنائه حتى لو كانوا مختلفين فيما بينهم لكن يجمعهم هدف واحد: حب الوطن وحمايته من أي تدخل خارجي.
يمكن أن نعرف"المواطنة":
بأنها شعور الانسان بالإنتماء إلى وطنه،و بأن الحياة التي تجمعه مع الأخر على مساحة الأرض التي يتحرك عليها، هي حياةٌ واحدة ومشتركة وهذا الشعوريقوى بالانتماء الى الجماعة، وإلى الأرض، وإلى الدولة التي تحكم العلاقة بين هذه الأطراف في الواقع الاجتماعي.
أما ثقافة المواطنة هي ثقافة الحياة بكل أبعادها ورموزها ومعانيها المتنوعة، وهي ثقافة البناء والتعمير، وثقافة الوحدة والتعاون وثقافة التآخي والتآزر والاندماج في حركة الحياة الواحدة، بالإضافة الى ذلك فهي ثقافة الاستقرار والسلام لأنها تلغي كافةالفروقات، والامتيازات، وتعمق قيم العدالة والحريةوالمساواة والتآخي بين جميع أبناء الوطن الواحد.
فأنا كسوري أطلب وأناشد من أجل العمل في هذا الاتجاه، لتعميق وتعميم ثقافة الوحدة الوطنية والسيادة والإستقلال على أرضنا، ثقافة بناء مجتمع قادر وقوي وفاعل ومحصن بالعوامل الذاتية، وقادر على تجاوز المصاعب والتحديات، مجتمع يعطي لأبنائه الطمأنينة والسكينة والشعور بالاستقرار الروحي والنفسي، ودعوتنا هي: أن نعمل ونناضل كسوريين وكشركاء أينما كنا لكي تعلو "ثقافة المواطنة" على كل الثقافات الجزئية الهدامة، وأن تكون تلك الارادة الانسانية هي التي تقود حركة التغييروالتجديد الفعلية وبأدوات سلمية وفكرية.

Zuletzt aktualisiert am Donnerstag, den 14. Juni 2012 um 11:50 Uhr